هي ذات الوجوه التي تنبئك قسماتها بكل عناوين الحياة الثقافية والفنية بمدينة الفقيه بن صالح ، حتى و إن خبا الضوء الهارب من غبار الإسمنت الكاسح ، تجد ذات القامات ، نتوءات الزمن الجمعوي ،الماضي منه والحاضر، تبرز كل تفاصيل المشهد الفني والثقافي بالمدينة . يدلك مسار ما يقرب من نصف قرن من عمر الجمعية عن لحظات الإشراق الثقافي ولحظات الانكسار والتراخي الى حد الذهول.
الجمعية وهي تخلد ذكراها الثانية والعشرون من التأسيس ، تضع نفسها ومن حولها كل الملسوعين بنور العقل في حرقة السؤال ، لماذا كان لسالف الأيام إشعاع يحفزه الجمهور ؟ في زمن قلنا انه جميل ولم نعرف مقياس الجمال فيه سوى أننا كنا نلقى في دفء العطشى لماء الحياة ما يدفع بنا الى الغوص في عيون الفن وينابيع التثقيف لكي نؤثث فضاء المدينة ، اما اليوم فالناس الذين كانوا هم ليسوا الآن هنا ، غابوا ولكن الصور المعروضة من ارشيف الجمعية يوثق أنهم، ذات نشاط ، كان منبر الجمعية مفتوحا لهم دون تحيز.
اليوم يردد الأصحاب التسعة الدائمون في الجمعية وعاشرتهم أنثى وحيدة فرضت على نفسها حجاب الركح و نفضت كل سفور العزلة والعتمة المفروضة على النساء حتى في بعض بيوتات أشباه الحداثيين ، كلهم يرددون ، يكفينا ان أرشيف الجمعية من الوثائق والصور يعكس فداحة المشهد الثقافي و انتكاسته على الرغم من بعض الفواصل الموزونة التي تسمع بين الفينة والأخرى سواء من مبادرة الحياة الثقافية أو من بعض الفاعلين القلائل ، فيا ترى اين ذهب كل هذا الزخم الثقافي الذي كانت تعج به المدينة ؟
في ليلة السبت 24 نونبر ، قدمت الجمعية الشريط السينمائي " خنزير غزة " وكانت المناسبة هي الذكرى التأسيسية وفي نفس الوقت إعلان التضامن مع القضية الفلسطينية و إدانة العدوان على غزة . من حضروا للأمسية السينمائية ، قليلون في العدد كما البدايات الثورية و كثيرون في تعبيرهم عن روح التضامن القومي ، العدد لا يهم ما دامت الأقلية لا تتماها مع الابتذال، حضر الروائي والشاعر والدارس كما خضر الفنان وكانوا على رؤؤس الأصابع فيما حضر ثلة من فضاء شباب المستقبل للرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة . مشاهد الفيلم المثير للجدل تثير بسخريتها من عبثية الواقع الفلسطيني الضحك والاشمئزاز ، اتضح ذلك في مجريات النقاش الذي أعقب الفيلم .
نفض الجمع القليل ، و تتقد الذاكرة على عجل ، تستنفر السؤال تلو السؤال ، زوايا دار الشباب القفرة ، كانت بالأمس القريب مفعمة بالحياة ، والشباب لا يتوقف عن المبادرة ، في تلك الليلة ما كان مغمورا بالضجيج سوى المقاهي المجاورة . تساءل أحدهم ، ايننكم من الالتزام في خضم هذا التحول والانقلاب نحو الوراء ؟ فكان الجواب ، مسيرة ما يقرب من نصف قرن علمتنا ان الالتزام هو إدراك التبدل في الأحوال و مواكبته بطرح المواضيع المسكوت عنها وتوسيع نطاق الحديث فيما لا يحب الآخرون الخوض فيه ، فالحقيقة هي لا ندركها بالخنوع والاستكانة ، وما الإبداع الذي اعتبرته الجمعية سند ديمومتها ؟ تساءل آخر على هامش اللقاء . فكان أن رد احد الأعضاء الجدد ، الإبداع هو القدرة على التجدد في زمن الابتذال ، الابداع هو سر تحول الجمعية الى أيقونة تزين المشهد الجمعوي بالمدينة ، ففي كل محطة تستطيع هذه الأطر المكونة للجمعية أن تخلق الحدث الثقافي أو الفني أو التنموي .
هي بالفعل كذلك فالجمعية راكمت مايكفي من التجربة في الأغنية وفي المسرح وفي تنظيم لقاءات ثقافية وفنية و انجاز مشاريع تنموية وملتقيات دولية مع شركاء بلجيكيين و محليين و اسبانيين وإيطاليين وهاهي اليوم تقتحم تجربة الفن السابع .
لم يسعف الوقت لإشباع الفضول وإطفاء حرقة السؤال ، لأن موضوع الاستمرارية ظل معلقا إلى حين ، في الصبيحة المخصصة للأطفال يوم الأحد 25/11/2012 ، أو بالأحرى المخصصة للأسر المصحوبين بأطفالهم ، أدركنا حينذاك أن لا استمرارية بدون ان تدخل في قلوب الناس وتحتل مساحة من بيوتاتهم ، والسبيل إلى ذلك هو الاهتمام بالطفل ، لهذا افلح المنشطون في الجمعية عندما خصوا الأطفال ببرنامج أشتمل على النشيد التربوي الهادف والحكاية المشوقة والرسم الحر والرسم والغناء لفائدة القضية الفلسطينة .
بساطة الاحتفال وخرقة السؤال ذاك ما ميز الذكرى التأسيسية الثانية والعشرون سؤال الإبداع والالتزام والاستمرارية ، هو في واقع الحال ما يشكل مبررا لوجود هذه الجمعية.